إدارة الأصول .. هل تلاشت الحاجة؟

دت التطورات على صعيد الأسواق المالية في الأعوام القليلة الماضية إلى ظهور تحديات كبيرة أمام مديري الأصول حول العالم، وأتت هذه التطورات من عدة جوانب تشمل الأنظمة والتشريعات ونضج العملاء وارتفاع التكاليف وتطور التقنيات المالية.لعقود طويلة حظيت إدارة الأصول بميزة تنافسية عالية بسبب غموض الأسواق وصعوبة سبر أغوارها، لكن بدأت تتغير هذه المعادلة شيئا فشيئا مع مرور الزمن، على الرغم من الارتفاع المتواصل في أحجام الأصول المدارة، التي ترتفع مع ارتفاع أسعار الأصول وزيادة تنوعاتها وأعدادها، لا بالضرورة بسبب زيادة نشاط إدارة الأصول.بحسب بيانات "ستاتيستا" لا يزال عدد الصناديق الاستثمارية في الولايات المتحدة دون ثمانية آلاف صندوق منذ التسعينيات الميلادية، مع انخفاض سنوي متواصل منذ 2015، بالمقابل نجد أن عدد الصناديق الاستثمارية المتداولة في ازدياد متواصل، أي أننا نجد هناك تراجعا في إدارة الأصول في شكلها التقليدي، كما نجده في الصناديق الاستثمارية وتراجع أعداد مديري المحافظ التقليدية، وهم الأشخاص الذين تقل الحاجة إليهم في الصناديق المتداولة التي تعمل في الأغلب بطريقة خاملة ليست نشطة.معاناة مديري الأصول النشطين تتمثل في تزايد المطالب النظامية والتنظيمية بحقهم بسبب الضغوط الموجهة إليهم من قبل الجهات التشريعية، فهم الآن مطالبون بمزيد من الإفصاح وإجراءات الامتثال والالتزام، والتقيد بعدة ضوابط متعلقة بحوكمة الشركات والمعايير البيئية والاجتماعية. بينما تقل هذه المطالبات أو تختفي تماما في إدارة الأصول بالطريقة الخاملة، حيث يتم الاعتماد على مؤشرات قائمة لا تحتاج إلى قرارات فردية.تهديد آخر يواجه إدارة الأصول آت من التطورات على صعيد الذكاء الاصطناعي، فهناك من يعتقد أنه بالإمكان إدارة المحافظ وانتقاء الأسهم بطرق آلية بحتة دون الحاجة إلى خبراء باهظي التكلفة. ومن المعروف أن التقنية بالفعل أحدثت تغيرات جذرية في جانب عمليات التداول وتحليل البيانات واقتناص الفرص، إلا أن مجال انتقاء الأسهم لا يزال حكرا على الإنسان بسبب الحاجة إلى اتخاذ قرارات شخصية ابتكارية بديهية لا يمكن تحديد مقوماتها بناء على أسس حيادية مطلقة. وعلى الرغم من ذلك وعطفا على التطورات المذهلة للذكاء الاصطناعي في العامين الماضيين فمن غير المستبعد أن يأتي قريبا اليوم الذي يمكن فيه إسناد قرارات البيع والشراء بشكل كامل إلى البرمجيات.تراجع إدارة الأصول لا يعني تراجع نشاط الأسواق المالية، فلا تزال أحجام التداول في ازدياد، الفارق هنا أن نسبة كبيرة من التداولات باتت تتم بشكل فردي من قبل المتداولين أو من خلال الأنظمة التقنية. لا يزال حجم التداول اليومي في جميع أسواق الأسهم الأمريكية يراوح في حدود 500 مليار دولار يوميا، هذا على الرغم من حدوث بعض التراجع في 2022 بسبب انخفاض الأسواق وتراجع شهية المتداولين.وبحسب شركة "مورننج ستار" لإدارة الأصول سحب المستثمرون 530 مليار دولار من صناديق الاستثمار على مستوى العالم، وهو أكبر مبلغ منذ 2008، الاستثناء هنا نجده في تزايد المبالغ الموجهة إلى صناديق أسواق النقد، التي هي عبارة عن ملاذات آمنة مؤقتة لرؤوس الأموال.أبرز ما يهدد سلامة إدارة الأصول التقليدية أن هناك تغيرات حصلت في استراتيجيات أسواق المال، بحيث أصبح من الصعب جدا على مديري الأصول التقليديين تحقيق عوائد عالية باستخدام منهجيات توزيع المحافظ على هيئة نسب معينة بين أصول عالية المخاطر، كالأسهم وأصول أقل مخاطرة كأدوات الدين الثابت. رأينا في العام الماضي تزامنا في هبوط الأسهم والسندات لفترة طويلة، ما كبد كثيرا من المحافظ خسائر دفترية عالية.هناك وسائل مالية متقدمة أصبحت في متناول أيدي الأفراد بسبب انخفاض تكاليف تداولها وزيادة سيولتها، وهي الوسائل التي كانت سابقا مرتعا مربحا لمديري الأصول، فأصبحت طرق التحوط والمضاربة من خلال العقود المستقبلية وعقود الخيارات متاحة للأفراد بشكل سلس وسريع. هذه التطورات أزالت جزءا من الميزة التنافسية لمديري الأصول من جهة، من جهة أخرى جعلت إمكانية تحقيق عوائد غير عادية أصعب على المحترفين، والسبب أن المحترفين مقيدون بسياسات تداول وإدارة أصول منضبطة أكثر ومقننة أكثر مما هي عليه لدى الأفراد.