على الرغم من مرور ما يقرب من قرن وربع القرن على وفاة الأمير عبد القادر الجزائري قائد الثورة الأولى في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، إلا أن الصفةُ السياسية هي الغالبة على الأمير. فلا نكاد نجد في الكتب التي تؤرِّخ للنهضة العربية ذكراً لهذا الأمير إلا وهو مرتبط بثورته ضد فرنسا، أو بوقوفه ضد الحرب الطائفية بالشام عام 1860 م، أو بتبيان علاقته بالدولة الفرنسية، أو زياراته المتعددة إلى الأستانة ومصر وباريس، وحصوله على الأوسمة والمنح.
والحق أن حياة الأمير عبد القادر السياسية تعرَّضت لأكثر من تقويم سلباً وإيجاباً. وليس في ذلك ما يدعو إلى الغرابة : فهو الأمير الذي حارب فرنسا لمدة سبعة عشر عاماً، وهو في نفس الوقت الذي أقام صداقة مع نابليون الثالث الذي سلمه صك الإفراج وعرض عليه مبلغ كبير يدفع له سنوياً كتعويض على حجز حريته والغدر به؛ وهو الذي ذكرته تقارير القناصل الأجانب بصفته حامي النصارى صاحب الشخصية العربية الإسلامية المرموقة وقد ظل طوال حياته يعامَل كرجل دولة، وهو – إلى جانب هذا كلِّه – رجل فكر متبحِّر في علوم الدنيا والدين. وقد كانت له آراء خاصة في قضايا العقل والأخلاق واللغة والتصوف، مما يجعله أحد أبرز رجالات النهضة المبكرين، على تمايزه عن جلِّهم بأنه رجل سياسة وفكر في آن.
إنه صاحب الاسم الذي يتردد ذكره كثيرا في الجزائر من خلال إطلاق اسم الأمير على الكثير من المؤسسات العلمية والثقافية والمجمعات السكنية عبر ربوع البلاد، بل أصبح اليوم تمثال الأمير يعلو قلب العاصمة الجزائر محل تمثال "بوجو" ألد أعدائه من مسئولي الاحتلال الدموي، لكن هل يحتل عبد القادر قلب تاريخ الجزائر أيضاً ؟ فما هي مكانة الأمير اليوم في تاريخ الجزائر ؟ وأي أثر خلّف في أرضها ؟ هل تُختصر حياة الأمير في بعض مقتنياته بالمتحف ؟ من هو الأمير عبد القادر؟
إن الحديث عن الأمير عبد القادر وتاريخه أمر مدهش وصعب في نفس الآن، أن نقول كلمة تستوفيه حقه أمر مستحيل، وإلى الآن وبالرغم من مضي أزيد من أربعين سنة على استقلال الجزائر لم نجد من قال الكلمة الفصل في تاريخ هذا الرجل العظيم عظمة هذا البلد، فقد يجمع الجزائريين على أن الأمير هو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، القائد الفذّ العبقري، والخطيب الملهم، الذي جمع بين السيف والقلم، أوّل من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذور الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، عالم الأمراء وأمير علماء دمشق. إلا أنه هناك أصداء تسمع لأصوات خافتة متسائلة هل كان هذا الفارس أميراً من حكايات ألف ليلة وليلة ؟ أو أحد فرسان الإسلام القادر على قتل ألف مرتد بضربة سيفٍ واحدة ؟ وأصواتا أخرى أقل حدة تتهمه بالفرار وترك الجهاد...
مهما كان الوصف اليوم بالكاد الجزائر تذكر شيئاً عن الأمير عبد القادر الجزائري، اللهم إلا في حالات نادرة كيوم وفاته أو بيعته أو في بعض الندوات العلمية والفكرية والحفلات الفنية والأدبية، وعرض التراث ومخلفات الأمجاد الوطنية، وقد يطول الأمر لسنين، وحاله أفضل من غيره من رجال الأمة الذين صنعوا تاريخ الأمة بأحرف من ذهب، ولسان الحال يقول لماذا التقاعس وتجاهل الرجال - من رجال مقاومة وعلماء ودعاة وشهداء ومجاهدين... - هل كان كل هؤلاء متقاعسين عن الجهاد والنضال ضد المستعمر الفرنسي أو المستبد المتفرعن، الذين كانوا أول من وقف في وجهه وقالوا له (يا ظالم) وتحملوا القمع الرهيب الذي أودى بحياة عشرات الألوف منهم...
اليوم لن نتحدث عن كل هؤلاء، لكن سنسلط الضوء على الأمير، رمز الجزائر الحديثة...
إن الناظر والمتفحص لرفوف المكاتب ولقائمة الكتب، سيجد بضع عشرات من الكتب التي تذكر جانبا من حياة الأمير، وإذا قارن الباحث مؤلفي تلك الكتب سيجد أن أغلبهم أجانب وأن أهل هذه البلاد أقلامهم شحت لكتابة تاريخ أميرهم...
عندما ترتاد المدرسة، ستتوقع أنها تُعلم كل شيء عن الأمير، وأن كتب التاريخ والمناهج الدراسية لمختلف الأطوار تنصف الأمير بالذكر والتعريف به للأجيال الجديدة الصاعدة، لكن في عهد الجزائر المستقلة لا يذكر الأمير إلا في طور واحد وفي درس أو درسين طيلة مشوار طالب العلم، فيما تتفنن المدرسة الجزائرية في تعليم كل شيءٍ عن معركة بواكي، وأغنية رولا، وتعجز أن تعطي أي معلومةٍ عن عبد القادر.
صور للأمير وعائلته في القصر
ورغم هذا الشح في المعلومات، نجد الجيل المتعلم يعلم الشيء القليل خيرا من لا شيء، وحاله أفضل من الأغلبية من أفراد المجتمع الذي تتفشى فيه الأمية بشكل رهيب، ولله الحمد أن هناك من يعرف في أحسن الأحوال الاسم أو يذكر على الأقل عام 1966 م، حين أعادت طائرةٌ كبيرةٌ الفارس العظيم إلى الجزائر، ليصبح الأمير بيننا تركا دمشق، واجتمع نحو نصف مليون مواطن جزائري، إلى جانب أربعين وفداً من الأقطار العربية والصديقة، وأعضاء مجلس الثورة الجزائري، في مقبرة الشهداء لدفنه في مقبرة الشهداء. يردد بعض الذين تابعوا الحدث وبقى عالق في أذهانهم أن الجزائر شهدت احتفالاً مهيباً بدفن رفاته، حيث وضع الجنود نعش الرجل الذي كان يرمز إلى الاستقلال على الأرض وصاحوا : فليتمجد المحارب العظيم، ثم أغلقوا القبر، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن حياته.. حينها كان الكل يتوقع أن يتم إخبارهم عن حياته، والأسلحة التي تركها، وقصر فرنسا ولؤلؤة الشرق، لكن في ذلك اليوم لم يقل أحد لماذا غادر الجزائر؟ ولا إلى أين ذهب ؟ لقد سُجن الأمير وأتباعه في تولو بفرنسا، ومن هناك تم نقله إلى بو، ثم إلى قصر أمبواز الذي قضى فيه أكثر من أربعة أعوام من نوفمبر 1848 م حتى ديسمبر 1852 م، وقبل ذلك ببضعة أسابيع في 16 أكتوبر عام 1852 م استقبل الأمير الرئيس لويس نابليون الثالث الذي جاء ليلعن عن حريته. وكان الأمير يعيش مع عائلته تحت مراقبةٍ قاسية وفي حالة حرمانٍ كبيرة، يمكنك أن تتخيل الصدمة التي أصابت أقارب الأمير الذين توفى منهم 25 فرداً بسبب البرد والمرض بعدما قضوا حياتهم تحت الخيام في وسط سهول الجزائر الواسعة.
اليوم تحتفظ فرنسا حسب البروفيسور برونو ايتيان العضو في معهد فرنسا الجامعي بعدد من كتابات الأمير في تلك الفترة - رسائل إلى الفرنسيين - عبارة عن نصوص شهيرة صغيرة ذات طابع تربوي مثيرة للاهتمام، على غرار رفات أفراد عائلته المدفنين في مقبرة خاصة بجوار القصر، وعديد الذكريات والمقتنيات الخاصة بالأمير وأفراد عائلته.. تعجز الجزائر على استردادها أو جلب نسخ منها على الأقل لإثراء متحف الأمير..
صور للأمير في دمشق
من فرنسا إلى دمشق التي عاش فيها الأمير ودفن بها في جامع الشيخ محيي الدين، قبل أن تنقل رفاته إلى الجزائر. تذكره دمشق اليوم لفضل خصاله وأخلاقه السامية التي سجلها له التاريخ بإطفاء نار الفتنة الطائفية سنة 1860 م، وهي التي يقطن بها بعض أحفاد الأمير، إلا أن ما يأتينا من أخبار دمشق يجعلنا نعتقد أن هناك محاولات للقضاء على ذكرى الأمير في الأرض العربية، فقد أصبحت المادة قليلة عن حياته ونشاطه بها، حتى من الأمور المادية المورثة عنه اختفت والشيء القليل الباقي على وشك الاندثار والأسباب تعود لتقصير الحكومتين الجزائرية والسورية، اللتان كان من المفروض أن تتضافر الجهود بينهما لإحياء ذكرى عبد القادر كتراث، ومن المفروض أن يتكرم هذا الرجل، وأن يُعطى حقه، ويوفوه حقه.. لو كان هذا الإنسان موجود في بلد من بلاد العالم لكرموه خير تكريم هو وأبناؤه وأبناء أبنائه وإلى آخره. ومن ذلك قيام شركة بلجيكية بتمويل من المفوضية الأوروبية بترميم قصر الأمير الواقع في ضاحية دمر غرب دمشق بعدما عان من الإهمال والتخريب بسبب أنه مهجور منذ عشرات السنين.. حيث راعت الدراسة الترميمية التصاميم وحافظة على النمط العام للمبنى، الذي حول مركز إقليمي للتنمية المحلية المستدامة.
من جديد في الجزائر، وعلى غرار ما سبق ذكره، نجد الأمير في بعض المتاحف من خلال عرض بعض مقتنياته وأثاره كالتي يتوفر عليها متحف الجيش برياض الفتح أو متحف أحمد زبانة بوهران، فيما لا يزال متحفا الأمير والمقاومة، المقامان بدار قيادة الأمير عبد القادر ومحكمته بمدينة معسكر، ينتظران المقتنيات الخاصة بمؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة ليتحولا إلى متحفين حقيقيين، بدل بنايتين أثريتين، مثلما هو عليه الحال حاليا. فحسب ما أكده مدير الثقافة لولاية معسكر، فإن متحف الأمير الذي أقيم بمحكمة الأمير عبد القادر، التي أعيد ترميمها منذ سنوات مع دار القيادة المقابلة لها بأموال ضخمة وقرر رئيس الجمهورية بتحويلهما إلى متحفين، لا يحوي بين جنباته حاليا سوى أربع مقتنيات هي برنوس الأمير وسريره ومزهريتين نحاسيتين ومعلق خشبي لسيفه، ولم تصل المتحف المجهز بأحدث أجهزة الرقابة التقنية والإنذار، أيّ مقتنيات أخرى مثلما وعدت به بعض السلطات، حيث كان من المقرر أن يتم استقدام بعض التحف والمقتنيات من متحف أحمد زبانة بوهران لوضعها بمتحف الأمير، كما كان مقررا وضع مقتنيات أخرى شرعت رئاسة الجمهورية في استلامها من سوريا بهذا المتحف، مع جمع البعض الآخر من أحفاد الأمير والمواطنين الذين أبدى بعضهم استعدادا لذلك، بما في ذلك بعض المخطوطات التي تحمل تأليف الأمير عبد القادر أو أشعاره.
لكن المدهش أن متحف الأمير يعاني مشكلة أخرى حسب ذات المسئول، هي رمي بعض الجيران للأوساخ في محيطه، مشوّهين المنظر العام وغير معيرين أدنى اعتبار لزوّار الهيكل من تلاميذ ووفود رسمية وحتى أجانب، مما يطرح تساؤلات عن قيمة الأمير في قلب سكان مسقط رأسه.
ذات الحال يعانيه فيلم "الأمير" الذي يبقى رهن السيناريو الجيّد والقرار السياسي، حيث وإلى اليوم يؤكد المخرج السينمائي بن عمر بختي أنه رفض السيناريوهات التي كُتبت لحد الآن عن الأمير عبد القادر وعدّدها ثلاثة، وأضاف أنه في انتظار إعادة كتابة سيناريو متكامل يكون في مستوى باعث الدولة الجزائرية الحديثة، معتبرا إمكانية الشروع في تصوير الفيلم مرتبطة بإعادة كتابة السيناريو. للعلم أن وزارة الثقافة منحت المخرج منذ عشر سنوات مبلغا ماليا قدره ست مائة ألف دينار جزائري كمساعدة لكتابة السيناريو، لكنه لا يزال مجمّدا ولم يتحصّل عليه لحد الآن، رغم أنه يملك الحق القانوني لاستغلاله، في يبقى حسب المخرج آمال تصوير الفيلم مرتبط بالإرادة السياسية لأن الفيلم يتطلّب تركيبا ماليا ضخما، وليس بإمكان أي جهة تحقيقه دون مساعدة الدولة الجزائرية.
رغم هذا هناك آمال تنعش التفاؤل بأن تأتي المبادرة من جهات أخرى كالفيلم التي أنجزته قناة أرتي الفرنكو-ألمانية عن احتلال الجزائر وركزت فيه عن نضال الأمير، أو البرنامج الوثائق حياة الأمير لذات القناة التي أوردت فيه صور ووثائق جد نادرة عن الأمير، أو عن مبادرة قناة أبوظبي التي أبدت رغبتها في تصوير مسلسل تاريخي ضخم عن سيرة حياة الأمير وأنها ستعمد إلى تحقيقه خلال السنوات القليلة القادمة. المبادرات الأجنبية كثيرة ومتنوعة كان أخرها استضافت المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف معرضا وسلسلة محاضرات حول الأمير عبد القادر الجزائري، وأعتبر المعرض الأول من نوعه الذي يخصص لحياة أمير وقائد عسكري عربي قاوم الاحتلال، هذا وإن دل إلا على مكانة الأمير لدى الغرب وقيمت ونضاله خاصة ما تعلق بحوار الديانات، كما قررت بعض الدول الأوروبية تسمية بعض شوارع مدنها باسم الأمير على غرار ما قام به مسيحيو أميركا بأن سمو مدينة القادر بالولايات المتحدة باسمه تكريما له على إطفاء نار الفتنة منذ ذلك العهد.
ويبقى علينا اليوم نحن الجزائريين أن نبحث عن الأمير ولا نتركه يفلت من أيدينا ليحتضنه الغرب، ذاك الغرب الذي يصور تجربة الأمير عبد القادر الجزائري أنها إلى حد كبير تجربة العلاقة الطويلة بين شعوب الشرق والاستعمار الغربي فيما يظل البعض منا يشكك في أنها تجربة في غالبيتها صورة سلبية، والحقيقة أنها تحوي صوراً إيجابياً تفتح الطريق أمام الحوار والتفاعل الضروريين، ونموذجاً حضارياً خارقاً في إيجابيته وتسامحه وفي تفاعله، من أجل تأسيّس الحوار بين الشرق والغرب وللتفاعل بين الحضارات والثقافات بل حتى أسّس القومية والوطنية في المنطقة العربية.
لمحة عن حياة الأمير عبد القادر الجزائري
بقلم حفيتده الأميرة بديعة الجزائري
ولد الأمير عبد القادر عام1807 م,ونشأ في مزرعة أجداده (القيطنة) بوادي الحمام الخصيب بضواحي مدينة وهران.درس اللغة العربية وحفظ القرآن في مدرستها ,ثم أرسله والده للالتحاق بإخوته بمعاهد وهران و تونس و الزيتونة.
يمتد نسبه من الإمام إدريس الأكبر ابن عبد الله بن الحسن حفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم ,الذي دخل المغرب العربي عام172 هجرية وبايعته القبائل ,فأقام مملكة قوية و شيد مدينة فاس كعاصمة لمملكة امتدت حتى عام 459 هجرية حينما كثرت المنافسة على الحكم ,فانتصر بني الأغلب على محمد المستعلي بن عبد الله حفيد إدريس الأصغر وانتزعوا منه حكم البلاد ,فانقرضت دولة الأدارسة و التعاقب على الملك.
ولكن من الطبيعي أن لا تنتهي كسلالة في المغرب و الجزائر, فمن هذه السلالة الشريفة كان والد الأمير عبد القادر سيدي محيي الدين,قاد مقاومة قوية عام1830م ضد الغزو الفرنسي للجزائر ,فرأى الشعب فيه رجلاً مسموع الكلمة مؤهلاً لحكم البلاد بعد فشل مقاومة الداي حسين واستسلامه, .فبايعته القبائل عام1832م على الحكم وقيادة المقاومة .اعتذر مرتين ولكن بعد أن ألزموه رشح لهم أحد أولاده وهو عبد القادر الذي كان في الرابعة والعشرين من العمر, فبايعته القبائل بالإجماع في الثالث من رجب عام 1248ه 1822م,وهو تاريخ تحتفل به الجزائر بعد الاستقلال كل عام حتى الآن.
أسس الأمير عبد القادر دولة إسلامية قوية ,ونظم جيشاً وطنياً وقف في وجه أكبر دولة برية في العالم في ذلك الزمن موقف الند, وكبد الغزاة خسائر فادحة أفقدتهم الأمل بالسيطرة على البلاد ,فعمد هؤلاء الغزاة إلى تفتيت الوحدة الوطنية التي أسسها الأمير تحت راية "الله أكبر" لمدة سبعة عشر عاماً,وهي مدة حكمه, واتبعوا أيضاً سياسة الأرض المحروقة والترغيب والتهديد,والجيوش الجرارة بأحدث الأسلحة.وكل تلك الخطط لم يجدوا فيها نفعاً فالتجأ ساستهم إلى سلطان المغرب وبالتهديد باحتلال مدنه وأجبروه على عقد اتفاقية معه لمنع وصول أي مساعدات لقوات الأمير وكتابة رسائل بخطه إلى زعماء القبائل لتحذيرهم من مساندة الأمير, وتكليف المخبرين بالتفتيش عن الزمالة ومكانها وتدميرها مما اضطر الأمير لخوض معارك دفاعية دامية خارجة عن نطاق مخططاته دفاعاً عن حصنه المتنقل (الزمالة) وقواته المجاهدة,وآخر معركة دفاعية كانت ضد قوات نظامية للدولة الشقيقة على ضفاف نهر ملوية وهي الحدود الدولية الفاصلة بين الدولتين شاهد فيها فرسانه يتساقطون برصاص أخوة لهم بالدين والجوار,وعلى الرغم من انتصاره في تلك المعركة إلا أنه ومن بقي معه من قادة جيشه وجدوا بعد دراسة المستجدات أن وجه الحرب قد تغير وبات الغزاة في سعادة واطمئنان بفتح هذه الجبهة الإسلامية العربية بوجه الأمير وجيشه الوطني ,فقرر الأمير ومن كان معه وقف الحرب وسفك دماء المسلمين وقتل الأخ لأخيه في الدين والجوار,ووقف تلك المهزلة وليس وقف مقاومة الغزاة التي ترك رايتها بيد الشعب ثم الهجرة الشرعية والعودة في ظروف تناسبه , وافق العدو على وقف الحرب ً وعلى خروج الأمير من الجزائر من غير معوقات ومن غير شروط,فعقدت اتفاقية رسمية بين الطرفين خرج الأمير بموجبها من البلاد متجها ً إلى عكا, ولكن أثناء الطريق جاء أمر لربان الباخرة بتغيير وجهتها نحو فرنسا ومدينة طولون .لقد قرأت فرنسا أفكار الأمير بالعودة إلى الجزائر فألغت الاتفاق وغدرت به .
وهكذا.. اختطف الأمير وأهله وحاشيته ,وأخذوا سجناء إلى قصر أمبواز في مدينة (بو)على سواحل نهر اللوار,ظل سجينا فيها مدة خمس سنوات إلى أن وصل نابليون إلى سدة الحكم في فرنسا فزار الأمير في سجنه متأسفاً معتذراً عن نقض الاتفاقية من قبل الحكومة السابقة وسلمه صك الإفراج وعرض عليه مبلغ كبير يدفع له سنوياً كتعويض على حجز حريته والغدر به, فقبل الأمير التعويض كمنحة من الله وعد بها الله تعالى المجاهدين والمهاجرين في سبيله.
أما الإمبراطور فقد أراد بها كسب ود الأمير وجعله صديقاً,ولكن الأحداث أثبتت أن هدف نابليون بالنسبة للأمير كان مستحيلاً وبلاده تئن تحت سياط الغزاة من جنود نابليون.ولم يقتصر الموضوع عند ذلك المبلغ وإنما كان هناك احتفالات أقامها الإمبراطور في باريس لوداع الأمير.وفي مرسيليا اصطف أربع فرق بألبستهم العسكرية الرسمية تحية للسجين ,وأطلقت المدافع قبل صعوده إلى الباخرة التي نقلته إلى اسطنبول لمقابلة السلطان عبد المجيد خان حسب طلبه ,
اختار الأمير مدينة بروصة كمكان لهجرته,ولكن عندما كثرت فيها الزلازل اختار دمشق التي دخلها باحتفال كبير شعبي ورسمي كأحد كبار الفاتحين الأقدمين ,وعاش فيها مكرماً مبجلاً كمهاجر وليس منفي كما يشاع,داعياً لنشر العلم الشرعي واللغة العربية محارباً للبدع متخذاً من كتاب صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك منهجية تربوية لخدمة المجتمع الإسلامي وتعميق الأيمان.و بقي هناك إلى أن توفاه الله بعد سبعة وعشرين عاماً قضاها مهاجراً في دمشق حتى عام 1300هجرية و1883ميلادية رحمه الله . يجد الباحث تفاصيل سيرة حياة هذا البطل العالم المجاهد في عدد من المؤلفات منها (ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين) و(الجذور الخضراء),وهو من أربعمائة صفحة,وكتاب (فكر الأمير عبد القادر)وكتاب رده على كتاب هنري تشرشل حياة عبد القادر, وأخيرا ًكتاب (وما بدلوا تبديلاً
والحق أن حياة الأمير عبد القادر السياسية تعرَّضت لأكثر من تقويم سلباً وإيجاباً. وليس في ذلك ما يدعو إلى الغرابة : فهو الأمير الذي حارب فرنسا لمدة سبعة عشر عاماً، وهو في نفس الوقت الذي أقام صداقة مع نابليون الثالث الذي سلمه صك الإفراج وعرض عليه مبلغ كبير يدفع له سنوياً كتعويض على حجز حريته والغدر به؛ وهو الذي ذكرته تقارير القناصل الأجانب بصفته حامي النصارى صاحب الشخصية العربية الإسلامية المرموقة وقد ظل طوال حياته يعامَل كرجل دولة، وهو – إلى جانب هذا كلِّه – رجل فكر متبحِّر في علوم الدنيا والدين. وقد كانت له آراء خاصة في قضايا العقل والأخلاق واللغة والتصوف، مما يجعله أحد أبرز رجالات النهضة المبكرين، على تمايزه عن جلِّهم بأنه رجل سياسة وفكر في آن.
إنه صاحب الاسم الذي يتردد ذكره كثيرا في الجزائر من خلال إطلاق اسم الأمير على الكثير من المؤسسات العلمية والثقافية والمجمعات السكنية عبر ربوع البلاد، بل أصبح اليوم تمثال الأمير يعلو قلب العاصمة الجزائر محل تمثال "بوجو" ألد أعدائه من مسئولي الاحتلال الدموي، لكن هل يحتل عبد القادر قلب تاريخ الجزائر أيضاً ؟ فما هي مكانة الأمير اليوم في تاريخ الجزائر ؟ وأي أثر خلّف في أرضها ؟ هل تُختصر حياة الأمير في بعض مقتنياته بالمتحف ؟ من هو الأمير عبد القادر؟
إن الحديث عن الأمير عبد القادر وتاريخه أمر مدهش وصعب في نفس الآن، أن نقول كلمة تستوفيه حقه أمر مستحيل، وإلى الآن وبالرغم من مضي أزيد من أربعين سنة على استقلال الجزائر لم نجد من قال الكلمة الفصل في تاريخ هذا الرجل العظيم عظمة هذا البلد، فقد يجمع الجزائريين على أن الأمير هو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، القائد الفذّ العبقري، والخطيب الملهم، الذي جمع بين السيف والقلم، أوّل من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذور الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، عالم الأمراء وأمير علماء دمشق. إلا أنه هناك أصداء تسمع لأصوات خافتة متسائلة هل كان هذا الفارس أميراً من حكايات ألف ليلة وليلة ؟ أو أحد فرسان الإسلام القادر على قتل ألف مرتد بضربة سيفٍ واحدة ؟ وأصواتا أخرى أقل حدة تتهمه بالفرار وترك الجهاد...
مهما كان الوصف اليوم بالكاد الجزائر تذكر شيئاً عن الأمير عبد القادر الجزائري، اللهم إلا في حالات نادرة كيوم وفاته أو بيعته أو في بعض الندوات العلمية والفكرية والحفلات الفنية والأدبية، وعرض التراث ومخلفات الأمجاد الوطنية، وقد يطول الأمر لسنين، وحاله أفضل من غيره من رجال الأمة الذين صنعوا تاريخ الأمة بأحرف من ذهب، ولسان الحال يقول لماذا التقاعس وتجاهل الرجال - من رجال مقاومة وعلماء ودعاة وشهداء ومجاهدين... - هل كان كل هؤلاء متقاعسين عن الجهاد والنضال ضد المستعمر الفرنسي أو المستبد المتفرعن، الذين كانوا أول من وقف في وجهه وقالوا له (يا ظالم) وتحملوا القمع الرهيب الذي أودى بحياة عشرات الألوف منهم...
اليوم لن نتحدث عن كل هؤلاء، لكن سنسلط الضوء على الأمير، رمز الجزائر الحديثة...
إن الناظر والمتفحص لرفوف المكاتب ولقائمة الكتب، سيجد بضع عشرات من الكتب التي تذكر جانبا من حياة الأمير، وإذا قارن الباحث مؤلفي تلك الكتب سيجد أن أغلبهم أجانب وأن أهل هذه البلاد أقلامهم شحت لكتابة تاريخ أميرهم...
عندما ترتاد المدرسة، ستتوقع أنها تُعلم كل شيء عن الأمير، وأن كتب التاريخ والمناهج الدراسية لمختلف الأطوار تنصف الأمير بالذكر والتعريف به للأجيال الجديدة الصاعدة، لكن في عهد الجزائر المستقلة لا يذكر الأمير إلا في طور واحد وفي درس أو درسين طيلة مشوار طالب العلم، فيما تتفنن المدرسة الجزائرية في تعليم كل شيءٍ عن معركة بواكي، وأغنية رولا، وتعجز أن تعطي أي معلومةٍ عن عبد القادر.
صور للأمير وعائلته في القصر
ورغم هذا الشح في المعلومات، نجد الجيل المتعلم يعلم الشيء القليل خيرا من لا شيء، وحاله أفضل من الأغلبية من أفراد المجتمع الذي تتفشى فيه الأمية بشكل رهيب، ولله الحمد أن هناك من يعرف في أحسن الأحوال الاسم أو يذكر على الأقل عام 1966 م، حين أعادت طائرةٌ كبيرةٌ الفارس العظيم إلى الجزائر، ليصبح الأمير بيننا تركا دمشق، واجتمع نحو نصف مليون مواطن جزائري، إلى جانب أربعين وفداً من الأقطار العربية والصديقة، وأعضاء مجلس الثورة الجزائري، في مقبرة الشهداء لدفنه في مقبرة الشهداء. يردد بعض الذين تابعوا الحدث وبقى عالق في أذهانهم أن الجزائر شهدت احتفالاً مهيباً بدفن رفاته، حيث وضع الجنود نعش الرجل الذي كان يرمز إلى الاستقلال على الأرض وصاحوا : فليتمجد المحارب العظيم، ثم أغلقوا القبر، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن حياته.. حينها كان الكل يتوقع أن يتم إخبارهم عن حياته، والأسلحة التي تركها، وقصر فرنسا ولؤلؤة الشرق، لكن في ذلك اليوم لم يقل أحد لماذا غادر الجزائر؟ ولا إلى أين ذهب ؟ لقد سُجن الأمير وأتباعه في تولو بفرنسا، ومن هناك تم نقله إلى بو، ثم إلى قصر أمبواز الذي قضى فيه أكثر من أربعة أعوام من نوفمبر 1848 م حتى ديسمبر 1852 م، وقبل ذلك ببضعة أسابيع في 16 أكتوبر عام 1852 م استقبل الأمير الرئيس لويس نابليون الثالث الذي جاء ليلعن عن حريته. وكان الأمير يعيش مع عائلته تحت مراقبةٍ قاسية وفي حالة حرمانٍ كبيرة، يمكنك أن تتخيل الصدمة التي أصابت أقارب الأمير الذين توفى منهم 25 فرداً بسبب البرد والمرض بعدما قضوا حياتهم تحت الخيام في وسط سهول الجزائر الواسعة.
اليوم تحتفظ فرنسا حسب البروفيسور برونو ايتيان العضو في معهد فرنسا الجامعي بعدد من كتابات الأمير في تلك الفترة - رسائل إلى الفرنسيين - عبارة عن نصوص شهيرة صغيرة ذات طابع تربوي مثيرة للاهتمام، على غرار رفات أفراد عائلته المدفنين في مقبرة خاصة بجوار القصر، وعديد الذكريات والمقتنيات الخاصة بالأمير وأفراد عائلته.. تعجز الجزائر على استردادها أو جلب نسخ منها على الأقل لإثراء متحف الأمير..
صور للأمير في دمشق
من فرنسا إلى دمشق التي عاش فيها الأمير ودفن بها في جامع الشيخ محيي الدين، قبل أن تنقل رفاته إلى الجزائر. تذكره دمشق اليوم لفضل خصاله وأخلاقه السامية التي سجلها له التاريخ بإطفاء نار الفتنة الطائفية سنة 1860 م، وهي التي يقطن بها بعض أحفاد الأمير، إلا أن ما يأتينا من أخبار دمشق يجعلنا نعتقد أن هناك محاولات للقضاء على ذكرى الأمير في الأرض العربية، فقد أصبحت المادة قليلة عن حياته ونشاطه بها، حتى من الأمور المادية المورثة عنه اختفت والشيء القليل الباقي على وشك الاندثار والأسباب تعود لتقصير الحكومتين الجزائرية والسورية، اللتان كان من المفروض أن تتضافر الجهود بينهما لإحياء ذكرى عبد القادر كتراث، ومن المفروض أن يتكرم هذا الرجل، وأن يُعطى حقه، ويوفوه حقه.. لو كان هذا الإنسان موجود في بلد من بلاد العالم لكرموه خير تكريم هو وأبناؤه وأبناء أبنائه وإلى آخره. ومن ذلك قيام شركة بلجيكية بتمويل من المفوضية الأوروبية بترميم قصر الأمير الواقع في ضاحية دمر غرب دمشق بعدما عان من الإهمال والتخريب بسبب أنه مهجور منذ عشرات السنين.. حيث راعت الدراسة الترميمية التصاميم وحافظة على النمط العام للمبنى، الذي حول مركز إقليمي للتنمية المحلية المستدامة.
من جديد في الجزائر، وعلى غرار ما سبق ذكره، نجد الأمير في بعض المتاحف من خلال عرض بعض مقتنياته وأثاره كالتي يتوفر عليها متحف الجيش برياض الفتح أو متحف أحمد زبانة بوهران، فيما لا يزال متحفا الأمير والمقاومة، المقامان بدار قيادة الأمير عبد القادر ومحكمته بمدينة معسكر، ينتظران المقتنيات الخاصة بمؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة ليتحولا إلى متحفين حقيقيين، بدل بنايتين أثريتين، مثلما هو عليه الحال حاليا. فحسب ما أكده مدير الثقافة لولاية معسكر، فإن متحف الأمير الذي أقيم بمحكمة الأمير عبد القادر، التي أعيد ترميمها منذ سنوات مع دار القيادة المقابلة لها بأموال ضخمة وقرر رئيس الجمهورية بتحويلهما إلى متحفين، لا يحوي بين جنباته حاليا سوى أربع مقتنيات هي برنوس الأمير وسريره ومزهريتين نحاسيتين ومعلق خشبي لسيفه، ولم تصل المتحف المجهز بأحدث أجهزة الرقابة التقنية والإنذار، أيّ مقتنيات أخرى مثلما وعدت به بعض السلطات، حيث كان من المقرر أن يتم استقدام بعض التحف والمقتنيات من متحف أحمد زبانة بوهران لوضعها بمتحف الأمير، كما كان مقررا وضع مقتنيات أخرى شرعت رئاسة الجمهورية في استلامها من سوريا بهذا المتحف، مع جمع البعض الآخر من أحفاد الأمير والمواطنين الذين أبدى بعضهم استعدادا لذلك، بما في ذلك بعض المخطوطات التي تحمل تأليف الأمير عبد القادر أو أشعاره.
لكن المدهش أن متحف الأمير يعاني مشكلة أخرى حسب ذات المسئول، هي رمي بعض الجيران للأوساخ في محيطه، مشوّهين المنظر العام وغير معيرين أدنى اعتبار لزوّار الهيكل من تلاميذ ووفود رسمية وحتى أجانب، مما يطرح تساؤلات عن قيمة الأمير في قلب سكان مسقط رأسه.
ذات الحال يعانيه فيلم "الأمير" الذي يبقى رهن السيناريو الجيّد والقرار السياسي، حيث وإلى اليوم يؤكد المخرج السينمائي بن عمر بختي أنه رفض السيناريوهات التي كُتبت لحد الآن عن الأمير عبد القادر وعدّدها ثلاثة، وأضاف أنه في انتظار إعادة كتابة سيناريو متكامل يكون في مستوى باعث الدولة الجزائرية الحديثة، معتبرا إمكانية الشروع في تصوير الفيلم مرتبطة بإعادة كتابة السيناريو. للعلم أن وزارة الثقافة منحت المخرج منذ عشر سنوات مبلغا ماليا قدره ست مائة ألف دينار جزائري كمساعدة لكتابة السيناريو، لكنه لا يزال مجمّدا ولم يتحصّل عليه لحد الآن، رغم أنه يملك الحق القانوني لاستغلاله، في يبقى حسب المخرج آمال تصوير الفيلم مرتبط بالإرادة السياسية لأن الفيلم يتطلّب تركيبا ماليا ضخما، وليس بإمكان أي جهة تحقيقه دون مساعدة الدولة الجزائرية.
رغم هذا هناك آمال تنعش التفاؤل بأن تأتي المبادرة من جهات أخرى كالفيلم التي أنجزته قناة أرتي الفرنكو-ألمانية عن احتلال الجزائر وركزت فيه عن نضال الأمير، أو البرنامج الوثائق حياة الأمير لذات القناة التي أوردت فيه صور ووثائق جد نادرة عن الأمير، أو عن مبادرة قناة أبوظبي التي أبدت رغبتها في تصوير مسلسل تاريخي ضخم عن سيرة حياة الأمير وأنها ستعمد إلى تحقيقه خلال السنوات القليلة القادمة. المبادرات الأجنبية كثيرة ومتنوعة كان أخرها استضافت المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف معرضا وسلسلة محاضرات حول الأمير عبد القادر الجزائري، وأعتبر المعرض الأول من نوعه الذي يخصص لحياة أمير وقائد عسكري عربي قاوم الاحتلال، هذا وإن دل إلا على مكانة الأمير لدى الغرب وقيمت ونضاله خاصة ما تعلق بحوار الديانات، كما قررت بعض الدول الأوروبية تسمية بعض شوارع مدنها باسم الأمير على غرار ما قام به مسيحيو أميركا بأن سمو مدينة القادر بالولايات المتحدة باسمه تكريما له على إطفاء نار الفتنة منذ ذلك العهد.
ويبقى علينا اليوم نحن الجزائريين أن نبحث عن الأمير ولا نتركه يفلت من أيدينا ليحتضنه الغرب، ذاك الغرب الذي يصور تجربة الأمير عبد القادر الجزائري أنها إلى حد كبير تجربة العلاقة الطويلة بين شعوب الشرق والاستعمار الغربي فيما يظل البعض منا يشكك في أنها تجربة في غالبيتها صورة سلبية، والحقيقة أنها تحوي صوراً إيجابياً تفتح الطريق أمام الحوار والتفاعل الضروريين، ونموذجاً حضارياً خارقاً في إيجابيته وتسامحه وفي تفاعله، من أجل تأسيّس الحوار بين الشرق والغرب وللتفاعل بين الحضارات والثقافات بل حتى أسّس القومية والوطنية في المنطقة العربية.
لمحة عن حياة الأمير عبد القادر الجزائري
بقلم حفيتده الأميرة بديعة الجزائري
ولد الأمير عبد القادر عام1807 م,ونشأ في مزرعة أجداده (القيطنة) بوادي الحمام الخصيب بضواحي مدينة وهران.درس اللغة العربية وحفظ القرآن في مدرستها ,ثم أرسله والده للالتحاق بإخوته بمعاهد وهران و تونس و الزيتونة.
يمتد نسبه من الإمام إدريس الأكبر ابن عبد الله بن الحسن حفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم ,الذي دخل المغرب العربي عام172 هجرية وبايعته القبائل ,فأقام مملكة قوية و شيد مدينة فاس كعاصمة لمملكة امتدت حتى عام 459 هجرية حينما كثرت المنافسة على الحكم ,فانتصر بني الأغلب على محمد المستعلي بن عبد الله حفيد إدريس الأصغر وانتزعوا منه حكم البلاد ,فانقرضت دولة الأدارسة و التعاقب على الملك.
ولكن من الطبيعي أن لا تنتهي كسلالة في المغرب و الجزائر, فمن هذه السلالة الشريفة كان والد الأمير عبد القادر سيدي محيي الدين,قاد مقاومة قوية عام1830م ضد الغزو الفرنسي للجزائر ,فرأى الشعب فيه رجلاً مسموع الكلمة مؤهلاً لحكم البلاد بعد فشل مقاومة الداي حسين واستسلامه, .فبايعته القبائل عام1832م على الحكم وقيادة المقاومة .اعتذر مرتين ولكن بعد أن ألزموه رشح لهم أحد أولاده وهو عبد القادر الذي كان في الرابعة والعشرين من العمر, فبايعته القبائل بالإجماع في الثالث من رجب عام 1248ه 1822م,وهو تاريخ تحتفل به الجزائر بعد الاستقلال كل عام حتى الآن.
أسس الأمير عبد القادر دولة إسلامية قوية ,ونظم جيشاً وطنياً وقف في وجه أكبر دولة برية في العالم في ذلك الزمن موقف الند, وكبد الغزاة خسائر فادحة أفقدتهم الأمل بالسيطرة على البلاد ,فعمد هؤلاء الغزاة إلى تفتيت الوحدة الوطنية التي أسسها الأمير تحت راية "الله أكبر" لمدة سبعة عشر عاماً,وهي مدة حكمه, واتبعوا أيضاً سياسة الأرض المحروقة والترغيب والتهديد,والجيوش الجرارة بأحدث الأسلحة.وكل تلك الخطط لم يجدوا فيها نفعاً فالتجأ ساستهم إلى سلطان المغرب وبالتهديد باحتلال مدنه وأجبروه على عقد اتفاقية معه لمنع وصول أي مساعدات لقوات الأمير وكتابة رسائل بخطه إلى زعماء القبائل لتحذيرهم من مساندة الأمير, وتكليف المخبرين بالتفتيش عن الزمالة ومكانها وتدميرها مما اضطر الأمير لخوض معارك دفاعية دامية خارجة عن نطاق مخططاته دفاعاً عن حصنه المتنقل (الزمالة) وقواته المجاهدة,وآخر معركة دفاعية كانت ضد قوات نظامية للدولة الشقيقة على ضفاف نهر ملوية وهي الحدود الدولية الفاصلة بين الدولتين شاهد فيها فرسانه يتساقطون برصاص أخوة لهم بالدين والجوار,وعلى الرغم من انتصاره في تلك المعركة إلا أنه ومن بقي معه من قادة جيشه وجدوا بعد دراسة المستجدات أن وجه الحرب قد تغير وبات الغزاة في سعادة واطمئنان بفتح هذه الجبهة الإسلامية العربية بوجه الأمير وجيشه الوطني ,فقرر الأمير ومن كان معه وقف الحرب وسفك دماء المسلمين وقتل الأخ لأخيه في الدين والجوار,ووقف تلك المهزلة وليس وقف مقاومة الغزاة التي ترك رايتها بيد الشعب ثم الهجرة الشرعية والعودة في ظروف تناسبه , وافق العدو على وقف الحرب ً وعلى خروج الأمير من الجزائر من غير معوقات ومن غير شروط,فعقدت اتفاقية رسمية بين الطرفين خرج الأمير بموجبها من البلاد متجها ً إلى عكا, ولكن أثناء الطريق جاء أمر لربان الباخرة بتغيير وجهتها نحو فرنسا ومدينة طولون .لقد قرأت فرنسا أفكار الأمير بالعودة إلى الجزائر فألغت الاتفاق وغدرت به .
وهكذا.. اختطف الأمير وأهله وحاشيته ,وأخذوا سجناء إلى قصر أمبواز في مدينة (بو)على سواحل نهر اللوار,ظل سجينا فيها مدة خمس سنوات إلى أن وصل نابليون إلى سدة الحكم في فرنسا فزار الأمير في سجنه متأسفاً معتذراً عن نقض الاتفاقية من قبل الحكومة السابقة وسلمه صك الإفراج وعرض عليه مبلغ كبير يدفع له سنوياً كتعويض على حجز حريته والغدر به, فقبل الأمير التعويض كمنحة من الله وعد بها الله تعالى المجاهدين والمهاجرين في سبيله.
أما الإمبراطور فقد أراد بها كسب ود الأمير وجعله صديقاً,ولكن الأحداث أثبتت أن هدف نابليون بالنسبة للأمير كان مستحيلاً وبلاده تئن تحت سياط الغزاة من جنود نابليون.ولم يقتصر الموضوع عند ذلك المبلغ وإنما كان هناك احتفالات أقامها الإمبراطور في باريس لوداع الأمير.وفي مرسيليا اصطف أربع فرق بألبستهم العسكرية الرسمية تحية للسجين ,وأطلقت المدافع قبل صعوده إلى الباخرة التي نقلته إلى اسطنبول لمقابلة السلطان عبد المجيد خان حسب طلبه ,
اختار الأمير مدينة بروصة كمكان لهجرته,ولكن عندما كثرت فيها الزلازل اختار دمشق التي دخلها باحتفال كبير شعبي ورسمي كأحد كبار الفاتحين الأقدمين ,وعاش فيها مكرماً مبجلاً كمهاجر وليس منفي كما يشاع,داعياً لنشر العلم الشرعي واللغة العربية محارباً للبدع متخذاً من كتاب صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك منهجية تربوية لخدمة المجتمع الإسلامي وتعميق الأيمان.و بقي هناك إلى أن توفاه الله بعد سبعة وعشرين عاماً قضاها مهاجراً في دمشق حتى عام 1300هجرية و1883ميلادية رحمه الله . يجد الباحث تفاصيل سيرة حياة هذا البطل العالم المجاهد في عدد من المؤلفات منها (ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين) و(الجذور الخضراء),وهو من أربعمائة صفحة,وكتاب (فكر الأمير عبد القادر)وكتاب رده على كتاب هنري تشرشل حياة عبد القادر, وأخيرا ًكتاب (وما بدلوا تبديلاً
الأحد أكتوبر 13, 2024 9:57 pm من طرف سها مجدى
» البرتغالفيزا٢٠٢٤
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:31 am من طرف Admin
» فيزا سلوفاكيا٢٠٢٤
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:29 am من طرف Admin
» توصيات السياسة لدعموودمج المهارات المنخفضه
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:27 am من طرف Admin
» Passeport imarat
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:24 am من طرف Admin
» Russians visa 25
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:22 am من طرف Admin
» شروط الكتابه الرئيسة
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:40 pm من طرف Admin
» شروط الكتابه الرئيسة
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:40 pm من طرف Admin
» البرمجيان للصغار
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:38 pm من طرف Admin