الشهرة عند الله وعند البشر
إن الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فاتقوا اللهَ عِبادَ الله، فإنَّ التقوى عِدَةُ أَولِياءِ اللهِ المُقرَبين، قال جلَّ وعلا: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون ﴾ [يونس:62-63].
أَيُّها المُسْلِمون؛ في كثيرٍ مِن البُيُوتِ والتجمعات، يَتَحدَّثُونَ عَنِ الإعلاميِّ فُلان، أو المَشْهُورَةِ فُلانه! رمزانِ مِنْ رُمُوزِ الإِعلامِ ومَشاهِيرِهِم، فِي ظُهورٍ إِعلامِي، يَخْطَفُ أَنظارَ المُتابِعِين، يَتحدَثانِ كَسِمْسَارَينِ لِتروِيج سِلْعَةٍ مِن السِّلَع، أو دَعْوَةٍ لِحَفْلٍ غِنائي أو مَهْرَجَانٍ كَبير، لا يَزيدانِ مَنْ حَضَرَهُما إلاَّ غَفْلَةً وبُعدا، ورُبما تَحدَّثا عَنْ قَضِيَةٍ أُسَرِيَّةٍ لا تَزِيدُ الأُسَرَ إلاَّ فُرْقَةً وشَتاتا، أو يُبَذِّرانِ أَمْوَالَهُما فِي مُسابَقَةٍ تَهْدِفُ إِلى زِيَادَةِ عَدَدِ المُتابِعِين، أو يَسْتعْرِضانِ حَيَاتَهُما الخَاصَّة، ما بين ضَحِكٍ ومِزَاحٍ لا حَقِيقَةَ لهُ فِي وَاقِعِ حَيَاتَهُما، يَقُودَانِ المُتابِعين حَيثُ شاءا، والمُتابِعُونَ مُعْجَبون، ويَنْظُرونَ إليهِما نَظْرَةَ إعْجَابٍ وتَمني، ولو كانَ صَاحِبُها فاسقًا أو فاجرًا أو كافرا، يَرونَ أنَّ هذِهِ المِهْنَةَ عُنْوان ٌلِلسَّعادَة، ومَجلَبَةٌ للرزق، وطَريقٌ مُخْتَصَرٌ إلى عالَمِ الشُهْرَةِ بينَ النَّاس.
أَيُّها المُسْلِمون؛ الشُهرَةُ وحُبُ الظُهور، هِيَ خَصْلَةٌ تَكْمُنُ فِي النَّفسِ البَشَرِيَّة، تَقُودُ العَبدَ إلى شُهْرةٍ سَمَاويِّةٍ أو إلى شُهْرَةٍ أَرضِية، ذُكِرا فِي الكِتابِ والسُّنّةِ في مَعْرِضِ الذَّمِ والتَحْذِير، والبُعْدِ عَنْ تَقَصُّدِها، لأنَّ في ذَلِكَ زُهُوِّ النَّفْسِ وعُلُوِهَا عَلى أَوامِرِ اللهِ ورَسُولِه، والتَرفُعِ على عِبَادِ اللهِ، تَتَابَعَ ذِكْرُهُما في الكِتَابِ والسُّنّةِ تَتَابُعِ المِطَرِ على الأَرضِ المُجدِبَة، ما بين آياتٍ وأَحادِيث، ومَواعِظَ وقَصَص؛ لِتغْذِيَةِ القُلُوبِ والأَرْواح، ذَلِك، لأَنَّ النُّفُوسَ البَشَرِيَّةَ تَسِيرُ خَلْفَ الكَثْرَةِ وإن كانَ باطلا، قال جل وعلا: ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ... ﴾ [الأنعام:116]، وقال جل وعلا: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين ﴾ [يوسف: 103].
أَيُّها المُسْلِمون؛ الشُهرَةُ وحُبُ الظُهور، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المِهْنَةُ يومًا مِنَ الأَيَامِ عُنْوانًا لِلسَّعادَة، ولا مَطلَبًا لِلنُّفُوسِ المُؤْمِنة، ولَكِن لانقِلابِ المَوازِين، واخْتِلافِ المَفَاهِيم، وهُبُوبِ رِيَاحِ الْكَثِيرِ مِنِ الإِعْلامِ العَقِيم، الَّذي يُلَقِحُ الأَرْوَاحَ والقُلُوبَ بِحُبِ الظُهُورِ والشُهْرة، فَيا الله! كَمّ مِنْ عَظِيمٍ ذِي شُهْرَةٍ مُقدَّمٌ بين النَّاس، ولَكنَّهُ مُؤَخّرٌ بين أَهْلِ السَّماء! وكَمّ مِنْ ضَعِيفٍ فَقِيرٍ مَدفُوعٍ بالأَبواب، مُقَدَّم بين أَهْلِ السَّماءِ لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّه، ولَكنَّه غَريبٌ بين أَهْلِ الأَرض! وذَلِكَ لِجهْلِهِم وحُبِهِمُ العَاجِلَ على الآجِل.
أَيُّها المُسْلِمون؛ في بَيانٍ عجيب، يَصِفُ اللهُ جلَّ وعلا فيهِ مَوقِفينِ مِنْ مَواقِفِ تَأثُرِ العَوامِّ بالمشْهُورين والمُتَصدِرين، ونَظَرِهِم إليهِم نَظْرَةَ إِعجَاب، وتمنِّي حالاٍ كحالِهِم دونَ تَمييزٍ بين حَقٍ وباطل:
فدونَكَ يا رعاكَ اللهُ المَوقِفَ الأَول: قال جلَّ وعلا عَنْ فِرعونَ وَهُوَ يُخاطِبُ قَومَهُ في تِيهٍ وخُيلاء: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُون * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين * فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِين ﴾ قال جلَّ وعلا عَنْ حَالِ قَومِهِ بعد هذا التَضْليل: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين ﴾ [الزخرف:51-54].
وإليكَ المَوقِفَ الثاني: قالَ جلَّ وعلا عَنْ قارونَ ومُحِبِيه: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيم ﴾ [القصص: 79]، قالَ السّعدِيُّ رحِمَهُ الله عَنْ هؤلاءِ المُتابِعِين والمُعْجَبين: (وإنَّ هِمَّةً جَعَلتْ هذا غَايَةَ مُرادِها، ومُنْتهى مَطلَبِها، لَمِن أَدنى الهِمِم وأَسفَلِها وأَدناها، ولَيسَ لها صُعُودٌ إلى المُرادَاتِ العاليةِ والمَطالِبِ الغَالية). اهـ
أقولُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، وللمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ مِنهم والأموات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية)
الحَمْدُ للهِ القائل: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ﴾ [القصص: 83]، والصلاةُ والسّلامُ على نَبينا مُحمّد القائل: (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبَرَ، مَدفُوعٍ بِالأَبواب، لو أَقسَمَ على اللهِ لأبَرّه)؛ رواه مسلم، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسلِيمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا اللهَ عِبادَ الله.
أَيُّها المُسْلِمون؛ إنَّ ثَقافَةَ الإِعجَابِ بِكُلِ مَشْهُورٍ لَمْ يَخلُ مِنها زَمَنٌ مِنَ الأَزمان، حتى فِي زَمَنِ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليِهِ وسلّم، لا لأَنْها حق، ولكنَّ النَّفسَ البَشريَةَ يُعْجِبُهَا المَظَاهِر، وذلك لِضَعْفِ إِيمانِها بِاللهِ جلَّ وعلا.
لقد عَلّمَ النَّبيُّ صلّى اللهُ عليِهِ وسلّم الصحابَةَ معنى الشُهرَة، وَضَرَبَ لهم واقِعًا حَيًّا يُشاهِدُونَه بينهم، لِيَغرِسَ في نُفُوسِهِم أَنَّ العِبرَةَ بِشُهرَةِ العَبدِ عِندَ اللهِ تعالى لا بِشُهرَتِهِ عِند البَشر، فَمِن بين الصحابةِ رضي اللهُ عنهم يَهتزُ عَرشُ الرَّحمنِ لِمَوتِ سَعدِ بنِ مُعاذ، ودَفُّ نَعْليَّ بِلالٍ تَقرَعُ سَمْعَ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم في الجَنَّة، ويقولُ لَهُ: بِمَ سَبقتَني؟! والمَرأَةُ السّوداءُ كانت تَقُمُّ المسجِدَ سأَلَ عنها النَبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم حين فقدها، ثُمَّ صلّى عليها بعد دَفنِها، والبراءُ بنُ مَالك أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرينِ لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّه، والرَّجُلُ المُسلِمُ الفقيرُ إنْ خَطَبَ لا يُزَوج وإنْ شَفَعَ لا يُشَفَّع وإنْ قالَ لا يُسْمَع لِقولِه خَيْرٌ مِنْ مِلءِ الأَرضِ مِنْ أَشرافِ النَّاس، ويُخْبِرُ النَّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم عَن أُويْسِ القَرَني، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمن، غَريبٌ بِينهُم، كانت لَهُ والِدَةٌ هُوَ بَرٌ بِها، وكانَ بِهِ بَرَصٌ فبَرأَ مِنْهُ إلاَّ مَوِضَعَ دِرهَم، وكانَ رَثَّ البيت، قليلَ المَتاع، قالَ عنه النَّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم (لو أَقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّه).
اللهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يُحِبُك، وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِبُنا إلى حُبِّك، اللهُمُّ ما أَعطَيتَنا مِمَّا نُحِب فاجْعَلّهُ عَونًا لنا على ما تُحِب.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه، قال اللهُ جل وعلا: ﴿ إن اللهَ وملائكتَه يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك، على عبدك ونبيك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
alukah
pent
إن الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فاتقوا اللهَ عِبادَ الله، فإنَّ التقوى عِدَةُ أَولِياءِ اللهِ المُقرَبين، قال جلَّ وعلا: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون ﴾ [يونس:62-63].
أَيُّها المُسْلِمون؛ في كثيرٍ مِن البُيُوتِ والتجمعات، يَتَحدَّثُونَ عَنِ الإعلاميِّ فُلان، أو المَشْهُورَةِ فُلانه! رمزانِ مِنْ رُمُوزِ الإِعلامِ ومَشاهِيرِهِم، فِي ظُهورٍ إِعلامِي، يَخْطَفُ أَنظارَ المُتابِعِين، يَتحدَثانِ كَسِمْسَارَينِ لِتروِيج سِلْعَةٍ مِن السِّلَع، أو دَعْوَةٍ لِحَفْلٍ غِنائي أو مَهْرَجَانٍ كَبير، لا يَزيدانِ مَنْ حَضَرَهُما إلاَّ غَفْلَةً وبُعدا، ورُبما تَحدَّثا عَنْ قَضِيَةٍ أُسَرِيَّةٍ لا تَزِيدُ الأُسَرَ إلاَّ فُرْقَةً وشَتاتا، أو يُبَذِّرانِ أَمْوَالَهُما فِي مُسابَقَةٍ تَهْدِفُ إِلى زِيَادَةِ عَدَدِ المُتابِعِين، أو يَسْتعْرِضانِ حَيَاتَهُما الخَاصَّة، ما بين ضَحِكٍ ومِزَاحٍ لا حَقِيقَةَ لهُ فِي وَاقِعِ حَيَاتَهُما، يَقُودَانِ المُتابِعين حَيثُ شاءا، والمُتابِعُونَ مُعْجَبون، ويَنْظُرونَ إليهِما نَظْرَةَ إعْجَابٍ وتَمني، ولو كانَ صَاحِبُها فاسقًا أو فاجرًا أو كافرا، يَرونَ أنَّ هذِهِ المِهْنَةَ عُنْوان ٌلِلسَّعادَة، ومَجلَبَةٌ للرزق، وطَريقٌ مُخْتَصَرٌ إلى عالَمِ الشُهْرَةِ بينَ النَّاس.
أَيُّها المُسْلِمون؛ الشُهرَةُ وحُبُ الظُهور، هِيَ خَصْلَةٌ تَكْمُنُ فِي النَّفسِ البَشَرِيَّة، تَقُودُ العَبدَ إلى شُهْرةٍ سَمَاويِّةٍ أو إلى شُهْرَةٍ أَرضِية، ذُكِرا فِي الكِتابِ والسُّنّةِ في مَعْرِضِ الذَّمِ والتَحْذِير، والبُعْدِ عَنْ تَقَصُّدِها، لأنَّ في ذَلِكَ زُهُوِّ النَّفْسِ وعُلُوِهَا عَلى أَوامِرِ اللهِ ورَسُولِه، والتَرفُعِ على عِبَادِ اللهِ، تَتَابَعَ ذِكْرُهُما في الكِتَابِ والسُّنّةِ تَتَابُعِ المِطَرِ على الأَرضِ المُجدِبَة، ما بين آياتٍ وأَحادِيث، ومَواعِظَ وقَصَص؛ لِتغْذِيَةِ القُلُوبِ والأَرْواح، ذَلِك، لأَنَّ النُّفُوسَ البَشَرِيَّةَ تَسِيرُ خَلْفَ الكَثْرَةِ وإن كانَ باطلا، قال جل وعلا: ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ... ﴾ [الأنعام:116]، وقال جل وعلا: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين ﴾ [يوسف: 103].
أَيُّها المُسْلِمون؛ الشُهرَةُ وحُبُ الظُهور، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المِهْنَةُ يومًا مِنَ الأَيَامِ عُنْوانًا لِلسَّعادَة، ولا مَطلَبًا لِلنُّفُوسِ المُؤْمِنة، ولَكِن لانقِلابِ المَوازِين، واخْتِلافِ المَفَاهِيم، وهُبُوبِ رِيَاحِ الْكَثِيرِ مِنِ الإِعْلامِ العَقِيم، الَّذي يُلَقِحُ الأَرْوَاحَ والقُلُوبَ بِحُبِ الظُهُورِ والشُهْرة، فَيا الله! كَمّ مِنْ عَظِيمٍ ذِي شُهْرَةٍ مُقدَّمٌ بين النَّاس، ولَكنَّهُ مُؤَخّرٌ بين أَهْلِ السَّماء! وكَمّ مِنْ ضَعِيفٍ فَقِيرٍ مَدفُوعٍ بالأَبواب، مُقَدَّم بين أَهْلِ السَّماءِ لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّه، ولَكنَّه غَريبٌ بين أَهْلِ الأَرض! وذَلِكَ لِجهْلِهِم وحُبِهِمُ العَاجِلَ على الآجِل.
أَيُّها المُسْلِمون؛ في بَيانٍ عجيب، يَصِفُ اللهُ جلَّ وعلا فيهِ مَوقِفينِ مِنْ مَواقِفِ تَأثُرِ العَوامِّ بالمشْهُورين والمُتَصدِرين، ونَظَرِهِم إليهِم نَظْرَةَ إِعجَاب، وتمنِّي حالاٍ كحالِهِم دونَ تَمييزٍ بين حَقٍ وباطل:
فدونَكَ يا رعاكَ اللهُ المَوقِفَ الأَول: قال جلَّ وعلا عَنْ فِرعونَ وَهُوَ يُخاطِبُ قَومَهُ في تِيهٍ وخُيلاء: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُون * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين * فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِين ﴾ قال جلَّ وعلا عَنْ حَالِ قَومِهِ بعد هذا التَضْليل: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين ﴾ [الزخرف:51-54].
وإليكَ المَوقِفَ الثاني: قالَ جلَّ وعلا عَنْ قارونَ ومُحِبِيه: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيم ﴾ [القصص: 79]، قالَ السّعدِيُّ رحِمَهُ الله عَنْ هؤلاءِ المُتابِعِين والمُعْجَبين: (وإنَّ هِمَّةً جَعَلتْ هذا غَايَةَ مُرادِها، ومُنْتهى مَطلَبِها، لَمِن أَدنى الهِمِم وأَسفَلِها وأَدناها، ولَيسَ لها صُعُودٌ إلى المُرادَاتِ العاليةِ والمَطالِبِ الغَالية). اهـ
أقولُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، وللمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ مِنهم والأموات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية)
الحَمْدُ للهِ القائل: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ﴾ [القصص: 83]، والصلاةُ والسّلامُ على نَبينا مُحمّد القائل: (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبَرَ، مَدفُوعٍ بِالأَبواب، لو أَقسَمَ على اللهِ لأبَرّه)؛ رواه مسلم، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسلِيمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا اللهَ عِبادَ الله.
أَيُّها المُسْلِمون؛ إنَّ ثَقافَةَ الإِعجَابِ بِكُلِ مَشْهُورٍ لَمْ يَخلُ مِنها زَمَنٌ مِنَ الأَزمان، حتى فِي زَمَنِ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليِهِ وسلّم، لا لأَنْها حق، ولكنَّ النَّفسَ البَشريَةَ يُعْجِبُهَا المَظَاهِر، وذلك لِضَعْفِ إِيمانِها بِاللهِ جلَّ وعلا.
لقد عَلّمَ النَّبيُّ صلّى اللهُ عليِهِ وسلّم الصحابَةَ معنى الشُهرَة، وَضَرَبَ لهم واقِعًا حَيًّا يُشاهِدُونَه بينهم، لِيَغرِسَ في نُفُوسِهِم أَنَّ العِبرَةَ بِشُهرَةِ العَبدِ عِندَ اللهِ تعالى لا بِشُهرَتِهِ عِند البَشر، فَمِن بين الصحابةِ رضي اللهُ عنهم يَهتزُ عَرشُ الرَّحمنِ لِمَوتِ سَعدِ بنِ مُعاذ، ودَفُّ نَعْليَّ بِلالٍ تَقرَعُ سَمْعَ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم في الجَنَّة، ويقولُ لَهُ: بِمَ سَبقتَني؟! والمَرأَةُ السّوداءُ كانت تَقُمُّ المسجِدَ سأَلَ عنها النَبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم حين فقدها، ثُمَّ صلّى عليها بعد دَفنِها، والبراءُ بنُ مَالك أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرينِ لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّه، والرَّجُلُ المُسلِمُ الفقيرُ إنْ خَطَبَ لا يُزَوج وإنْ شَفَعَ لا يُشَفَّع وإنْ قالَ لا يُسْمَع لِقولِه خَيْرٌ مِنْ مِلءِ الأَرضِ مِنْ أَشرافِ النَّاس، ويُخْبِرُ النَّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم عَن أُويْسِ القَرَني، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمن، غَريبٌ بِينهُم، كانت لَهُ والِدَةٌ هُوَ بَرٌ بِها، وكانَ بِهِ بَرَصٌ فبَرأَ مِنْهُ إلاَّ مَوِضَعَ دِرهَم، وكانَ رَثَّ البيت، قليلَ المَتاع، قالَ عنه النَّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم (لو أَقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّه).
اللهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يُحِبُك، وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِبُنا إلى حُبِّك، اللهُمُّ ما أَعطَيتَنا مِمَّا نُحِب فاجْعَلّهُ عَونًا لنا على ما تُحِب.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه، قال اللهُ جل وعلا: ﴿ إن اللهَ وملائكتَه يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك، على عبدك ونبيك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
alukah
pent
الأحد أكتوبر 13, 2024 9:57 pm من طرف سها مجدى
» البرتغالفيزا٢٠٢٤
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:31 am من طرف Admin
» فيزا سلوفاكيا٢٠٢٤
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:29 am من طرف Admin
» توصيات السياسة لدعموودمج المهارات المنخفضه
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:27 am من طرف Admin
» Passeport imarat
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:24 am من طرف Admin
» Russians visa 25
الأحد أكتوبر 13, 2024 11:22 am من طرف Admin
» شروط الكتابه الرئيسة
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:40 pm من طرف Admin
» شروط الكتابه الرئيسة
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:40 pm من طرف Admin
» البرمجيان للصغار
الإثنين سبتمبر 23, 2024 4:38 pm من طرف Admin